علي بن مسعود المعشني
يتخذ العدو الصهيوني ورعاته وأدواته في المنطقة من الضجيج الإعلامي، والاستعراض العسكري في القتل والدمار والاغتيالات والانتصارات التكتيكية استراتيجية لتغليف فاجعته وتصدعه الداخلي، وفي المقابل بث الرعب في النفوس غير المحصنة من عرب زماننا بأنه يمتلك زمام الأمور وتقرير مصير المنطقة ورسم ملامح مستقبلها، وللأسف هناك الكثير من عرب زماننا ممن انغمسوا في تصديق هذا المشهد الصوري واعتبروه قضاءً وقدراً ونهاية حتمية للأمة وقضيتها ونضالها من أجل التحرر الكامل واستعادة السيادة الناقصة.
في الحقيقة أن ما نراه اليوم يُمثل نصف المشهد وليس كل المشهد؛ فما يزال هناك نصف مخفي للحقيقة ولرسم المشهد الكامل للوضع في المنطقة ومستقبل الأمة ومصير الكيان.
حين نتذكر ونستعرض سرديات وخرافات العدو ورعاته طيلة أكثر من 7 عقود والتي بفعلها سيطر على الجغرافيا والعقول وتمكن منهما، نجد أن طوفان الأقصى المبارك قد زلزلها وبدَّدها ومكن حقائق كانت من المستحيلات على الأرض.
أول هذه السرديات وأقواها كانت مقولات "الجيش الذي لا يُقهر"، ولكل دولة جيش إلا إسرائيل جيش له دولة، و"الموساد اليد الطولى"، و"تل أبيب أحصن عاصمة في العالم"، وتحصين إسرائيل بمنظومات دفاع خارقة تتمثل في القبة الحديدية ومقلاع داؤود ومنظومة ثاد الأمريكية، وإسرائيل تصدر منظومات للأمن السيبراني للعالم بقيمة 14 مليار دولار سنويًا، وإسرائيل الدولة الجاذبة للهجرات والاستثمار والرفاهية، بفعل قوتها ومناعتها من أي عمل عسكري بداخل جغرافيتها، وأمنها الداخلي المثالي. حين نُفنِّد تلك السرديات ونُسقطها على أرض الواقع اليوم، نجدها قد تبخَّرت وأصبحت من الماضي، وجعلت الكيان بلا مناعة ولا مستقبل.
من المعلوم للمتابعين للصراع العربي الصهيوني عن كثب، أن جيش العدو خرج من الخدمة والقوة الحقيقية منذ حرب يوليو 2006، ومن المعلوم كذلك أن أمريكا والناتو هما من يقومان بحماية الكيان والدفاع المباشر عنه منذ ذلك العام. وبقي الكيان مزهوًا بقوة دفاعاته فقط بعد أن فَقَدَ قوة الهجوم والردع، فأتى "طوفان الأقصى" ليقصي سردية الدفاع ويحيلها إلى خانة الخرافات التي صدرها العدو وتستر خلفها لعقود؛ حيث اخترق فتية المقاومة منظومات الأمن السيبراني للعدو منذ اليوم الأول للطوفان، وهو ما أفقد العدو عقله ومكانته العالمية في هذا الاختصاص، كما استُبِيحت أجواء الكيان ولأول مرة منذ تاريخ غرسه من صواريخ المقاومة ومن جغرافيات مختلفة؛ الأمر الذي أسقط خرافات منظومات الدفاع الجوي وحصانة تل أبيب الخُرافية.
وفرَّ خارج الكيان نحو مليون مُستوْطِن إلى خارجه بعد أسابيع من الطوفان، ناهيك عن هروب الملايين إلى الملاجئ بشكل شبه يومي، وتكبد الاقتصاد خسائر بعشرات المليارات، فسقطت خرافتا الأمن والرفاه.
وفوق كل هذا فشل العدو ولغاية اليوم في تحقيق أي من أهدافه المُعلنة أو الضمنية من ردة فعله على الطوفان والمتمثلة في القضاء على فصائل المقاومة ونزع سلاحها واحتلال غزة وتهجير سكانها، والسيطرة على سلاح حزب الله وتهجير مقاتليه من جنوب لبنان إلى شمال نهر الليطاني، والشروع لاحقًا في حفر قناة بن جوريون والتنقيب عن ثروات غزة البحرية، وفتح خط نيودلهي تل أبيب التجاري.
الكيان الصهيوني ورعاته يعلمون فاجعة الطوفان عليهم، ويعلمون أن زمن المُسيَّرات والصواريخ البالستية العابرة للحدود أسقط نظريات المناطق العازلة وجدواها، كما أسقط نظرية التفوق الجوي الصهيوني.
"طوفان الأقصى" لم يكسر العدو ورعاته فحسب؛ بل وضع الحق العربي المُتمثِّل في فلسطين على طاولة الاهتمام العالمي، وحطَّم الأصنام الفكرية التي سيطرت على عقولنا لعقود وجعلت بعضنا يُرتِّل طقوس الهزيمة ويُسبِّح بحمد أمريكا.
قبل اللقاء.. تبقى سوريا العروبة المُفاجأة الكبرى القادمة بقوة على خارطة الصراع لتقول كلمتها الفصل، والله غالب على أمره.
وبالشكر تدوم النعم.